حوار بين الكتاب والتلفاز
في ليلة من ليالي الشتاء البارد، عانقت زخات المطر فيها ضوء القمر ، ليلة بلغ البرد من جسدي مبلغه فسرت قشعريرة فهمتها قدماي فما كان منها إلا أن ساقتني لغرفة الجلوس لأطلب من الحطب الملقى بعض اللهب المسجى ، فإذا بي أسمع ضجيجاً تفاجأت به أذناي المتجمدتان فما كان منها إلا أن أرسلت مع البرق شرارة لعيناي التي راحت تحدقان بذلك الجسمين .. كتاب الأمثال والحكم والتلفاز ... فارتسمت على محياي ابتسامة زادت من شوقي لذلك الحوار المثير والغريب .
الكتاب – وقد فرك صفحاته فألقى على التلفاز بعضاً من همساته - فابتدر قائلاَ : أيها التلفاز إني داع فأمّن .. اللهم يا سامع الهمسات ويا عالم الخفقات يا مجيب الدعوات خلصنا من شروره ، وجنبنا حروبه ، وخفف علينا جنوده ، وتب علينا من ..... فقاطعه التلفاز غاضباً : توقف ..توقف يا أنت .. لما هذا الهجوم الشرس ؟!
الكتاب – وقد احمرت صفحاته وتقدح الشرر من كلماته – أنا !! ألا تعلم من أنا ؟ أم تتجاهل شخصيتي المحترمة . حسناً " وقد هدأ قليلاً وتذكر أن اسمه الحكم والأمثال فعلم أن ذلك قد يذهب من مقامه " أنا موطن العلم والفكر ومنبع الخلق والأدب .. أنا صديق العلماء والمفكرين .. ورفيق الأدباء ونديم العقلاء والمهذبين .
التلفاز – وقد شمخ بالهوائي وحك شاشته – كفاك .. كفاك يا كتاب غروراً . لقد أصبح ما تقوله ماضياً ، طمرته إغراءاتي وإعلاناتي للكبار والصغار ، من المغفلين والمغفلات .. أما أنت يا مسكين فأهملك الناس وابتعدوا عنك وبغضوا حكمك وعظاتك ودراساتك واستنتاجاتك ، فأصبحت للعناكب والفئران خير صديق ، وللغبار والتراب أفضل رفيق ، جعلوك البشر في مكاتبهم فريداً مقبوراً مع أبناء جنسك وحيداً .
الكتاب – وقد بدت عليه علامات الثقة – يا أنت أتعي ما تقوله من خرافات ؟ أتعلم أن حديثك كله هراء ؟ لست أنا من أصبح فريداً مقبوراً مع أبناء جنسي وحيداً .. أيها الأحمق أولم تبث شاشتك العمياء أننا معشر الكتب:-
لنا ندماء لا نمل حديثهم أمينون مأمونون غيباً ومشهداً
أما أنت فمن لك ؟!!
التلفاز – وكأنه قد قطع لسانه – " أنا .. أنا..
الكتاب – وهو ينظر إليه بخبث وسرور – هيا .. هيا ماذا دهاك ؟!
ماذا حل بك ؟! أجب .
لماذا تحملق بي هكذا كمن نزلت عليه صاعقة من السماء . أنا أعلم أنك قد تكون لك ذرة فوائد مقابل مخاطرك الجمة التي لا توازي أبداً فوائدنا نحن الكتب . نعم ، لقد أخبرني بذلك صديقي الأمين ، وكيف لا وأنت من وضعك الغرب وأنا من ألفني الشرق وأحياناً تكون عند زعمائك الغرب كتب من بني جنسنا مخاطرها جمة ولذلك قرر معشر العرب الابتعاد عن قبيلة كتب الغرب لأنها أحياناً ذات مخاطر
التلفاز – وقد عقد لسانه – لا لا هذا غير صحيح .. لا .. بل بعضاً منه لكن البعض الآخر .. لا..لا..لا أدري .. لا أدري ما أقول لك لكن !! لكن ... وقد لاحظ الكتاب والتلفاز وجودي واستماعي لنقاشهما فما أن وقعت عيناهما عليّ حتى صرخا بصوت موحد : الحمد لله .. الحمد لله ها هي .. أخيراً لقد جاء من يحكم بيننا .. سبحان الله لم أتوقع منهما هذا الترحيب اللاوصفي لقد كانا كمن وجد ضالته ، فبادرا بسؤالي عمّا أحب ؟ وقبل أن ينتظرا مني ردّا أخذ كل منهما يعدد لي فوائده ويملي عليّ آخر ما توصل إليه وما إن كدت ألين لأحدهما حتى يستطرد الآخر فيخبرني بمخاطر صديقه وما إن انتهيا من تلك المشادة الحوارية بينهما حتى اجتمع على ضجيجهما باقي الأجسام من مصباح ولوحات ومقاعد ومناضد حتى الجدران أصبحت تعلق على حوارهما المثير .. ولما انهكهما الكلام ..واتعبهما الخصام .. ورنت نفسيهما للوئام .. سكتا وهدّأ كل منهما من روعه .. فقلت : لا داعي للخصام ، لا عليكما
في ليلة من ليالي الشتاء البارد، عانقت زخات المطر فيها ضوء القمر ، ليلة بلغ البرد من جسدي مبلغه فسرت قشعريرة فهمتها قدماي فما كان منها إلا أن ساقتني لغرفة الجلوس لأطلب من الحطب الملقى بعض اللهب المسجى ، فإذا بي أسمع ضجيجاً تفاجأت به أذناي المتجمدتان فما كان منها إلا أن أرسلت مع البرق شرارة لعيناي التي راحت تحدقان بذلك الجسمين .. كتاب الأمثال والحكم والتلفاز ... فارتسمت على محياي ابتسامة زادت من شوقي لذلك الحوار المثير والغريب .
الكتاب – وقد فرك صفحاته فألقى على التلفاز بعضاً من همساته - فابتدر قائلاَ : أيها التلفاز إني داع فأمّن .. اللهم يا سامع الهمسات ويا عالم الخفقات يا مجيب الدعوات خلصنا من شروره ، وجنبنا حروبه ، وخفف علينا جنوده ، وتب علينا من ..... فقاطعه التلفاز غاضباً : توقف ..توقف يا أنت .. لما هذا الهجوم الشرس ؟!
الكتاب – وقد احمرت صفحاته وتقدح الشرر من كلماته – أنا !! ألا تعلم من أنا ؟ أم تتجاهل شخصيتي المحترمة . حسناً " وقد هدأ قليلاً وتذكر أن اسمه الحكم والأمثال فعلم أن ذلك قد يذهب من مقامه " أنا موطن العلم والفكر ومنبع الخلق والأدب .. أنا صديق العلماء والمفكرين .. ورفيق الأدباء ونديم العقلاء والمهذبين .
التلفاز – وقد شمخ بالهوائي وحك شاشته – كفاك .. كفاك يا كتاب غروراً . لقد أصبح ما تقوله ماضياً ، طمرته إغراءاتي وإعلاناتي للكبار والصغار ، من المغفلين والمغفلات .. أما أنت يا مسكين فأهملك الناس وابتعدوا عنك وبغضوا حكمك وعظاتك ودراساتك واستنتاجاتك ، فأصبحت للعناكب والفئران خير صديق ، وللغبار والتراب أفضل رفيق ، جعلوك البشر في مكاتبهم فريداً مقبوراً مع أبناء جنسك وحيداً .
الكتاب – وقد بدت عليه علامات الثقة – يا أنت أتعي ما تقوله من خرافات ؟ أتعلم أن حديثك كله هراء ؟ لست أنا من أصبح فريداً مقبوراً مع أبناء جنسي وحيداً .. أيها الأحمق أولم تبث شاشتك العمياء أننا معشر الكتب:-
لنا ندماء لا نمل حديثهم أمينون مأمونون غيباً ومشهداً
أما أنت فمن لك ؟!!
التلفاز – وكأنه قد قطع لسانه – " أنا .. أنا..
الكتاب – وهو ينظر إليه بخبث وسرور – هيا .. هيا ماذا دهاك ؟!
ماذا حل بك ؟! أجب .
لماذا تحملق بي هكذا كمن نزلت عليه صاعقة من السماء . أنا أعلم أنك قد تكون لك ذرة فوائد مقابل مخاطرك الجمة التي لا توازي أبداً فوائدنا نحن الكتب . نعم ، لقد أخبرني بذلك صديقي الأمين ، وكيف لا وأنت من وضعك الغرب وأنا من ألفني الشرق وأحياناً تكون عند زعمائك الغرب كتب من بني جنسنا مخاطرها جمة ولذلك قرر معشر العرب الابتعاد عن قبيلة كتب الغرب لأنها أحياناً ذات مخاطر
التلفاز – وقد عقد لسانه – لا لا هذا غير صحيح .. لا .. بل بعضاً منه لكن البعض الآخر .. لا..لا..لا أدري .. لا أدري ما أقول لك لكن !! لكن ... وقد لاحظ الكتاب والتلفاز وجودي واستماعي لنقاشهما فما أن وقعت عيناهما عليّ حتى صرخا بصوت موحد : الحمد لله .. الحمد لله ها هي .. أخيراً لقد جاء من يحكم بيننا .. سبحان الله لم أتوقع منهما هذا الترحيب اللاوصفي لقد كانا كمن وجد ضالته ، فبادرا بسؤالي عمّا أحب ؟ وقبل أن ينتظرا مني ردّا أخذ كل منهما يعدد لي فوائده ويملي عليّ آخر ما توصل إليه وما إن كدت ألين لأحدهما حتى يستطرد الآخر فيخبرني بمخاطر صديقه وما إن انتهيا من تلك المشادة الحوارية بينهما حتى اجتمع على ضجيجهما باقي الأجسام من مصباح ولوحات ومقاعد ومناضد حتى الجدران أصبحت تعلق على حوارهما المثير .. ولما انهكهما الكلام ..واتعبهما الخصام .. ورنت نفسيهما للوئام .. سكتا وهدّأ كل منهما من روعه .. فقلت : لا داعي للخصام ، لا عليكما